الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث تلاميذنا حشاشون ومــدمـنـون: إنّها الزّطلــــة مـيـسـيـــــــــــو!

نشر في  24 سبتمبر 2014  (12:53)

 لا تزال تفاصيل حصة التعارف بين الاستاذ عبد القادر و تلاميذ السنة الثالثة محفورة بذاكرته. على غرار السنوات الماضية، استغل الاستاذ اول لقاء له بتلاميذه لربط جسور التواصل. اقترح عليهم تدوين ما يجول بخاطرهم وما يتطلعون اليه بجداريات تزين اركان القاعة، ليتفاجأ عند اطلاعه على ما كُتِبَ.لقد كشف احدهم عما يختلج بداخله كاتبا بصريح العبارة «نُرِيدُ zaka taka مَجَانًا». غالب الاستاذ ذهوله مستفسرا عن معنى «الزاكاتاكا»، لتأتيه الاجابة على لسان احدهم: «انها الزطلة ميسيو»!
الزطلة او القُنَّب الهندي او المواد المخدرة. تختلف التسميات والخطر الداهم واحد. محافظ تلاميذنا لم تعد محامل للكتب والكراسات فقط، بل غزتها هذه السموم لتنتقل الى العقول. وساحات المعاهد اضحت فضاء للمدمنين و «الزّطالة» ذكورا كانوا ام إناثا..

لم يكن التصريح الاخير لرئيس المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية عبد الرحمان الهذيلي بالمفاجئ أو الصادم. فحديثه عن ادمان ما لا يقل عن 30% من الدارسين في المرحلة الثانوية على تعاطي الزطلة سبق ان اشارت اليه آخر دراسة أجرتها وزارة الصحة التونسية. حيث بيّنت أن 12 تلميذاً من بين كل 30 تلميذاً تونسيا، يتعاطون مخدر «الحشيش» داخل المعاهد الثانوية والمدارس الاعدادية.
كما تطالعنا بين الفينة والاخرى صفحات الحوادث باخبار عن ايقاف عدد من التلاميذ بهذا المعهد او ذلك بسبب استهلاكهم للزطلة. يوم الاربعاء الفارط احيل تلميذ من مدينة المهدية على انظار القضاء بعد ثبوت تعاطيه لهذه المادة المخدرة واعترف احد المتهمين بترويج الزطلة بين التلاميذ في معتمدية المكنين من مدينة المنستير. وتتحدث بعض المصادر القضائية عن احالة العشرات من التلاميذ على المحاكم بسبب استهلاك مادة القنب الهندي. تقول التلميذة وصال : مراهقوا اليوم صاروا منعزلين عن محيطهم.يقضون اغلب اوقاتهم امام معاهدهم وفي المقاهي المجاورة. لذلك فلا غرابة من انغماسهم في عالم الزطلة. العديد من اصدقائي وصديقاتي «يدخن هذه المواد المخدرة. بل ان هناك منا من ينحدر من اسر ثرية ما يدفعهم لتأمين أثمان الزطلة التي نتناولها.

الزطلة عنوان للتمرّد والرُّجلة

وعلى خلاف ما يعتقده البعض بأنها مجرد آفة فإن الزطلة وفق الاخصائي الاجتماعي  طارق بالحاج محمد ظاهرة أعمق من ذلك بكثير. فقد تحولت لثقافة أجيال بأتم معنى الكلمة .بعد الثورة تحولت هذه المادة التي كانت منحصرة في المجال والاستهلاك إلى عنوان لقيم التمرد والثورة و»الرجلة».. تمرد للفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومهنيا. يستوي في تبنيها المنحرف والعاطل عن العمل والتلميذ والطالب والموظف والرياضي ومغني الراب والأب والابن والفتاة والفتى وأبناء الأحياء المرفهة والفقيرة على حد السواء ومدن الساحل والداخل...
الأمر إذن يتعلق بنشوء ثقافة اجتماعية فرعية مضادة للثقافة السائدة.. ثقافة ما فتئت تتوسع لتشمل شرائح اجتماعية متزايدة وغير متجانسة ويسقط ضحيتها أفراد ومجموعات وأجيال كنا نظن لوقت قريب أنهم محصنون نفسيا ومعرفيا وتربويا واجتماعيا ومهنيا.
القول بأنها ثقافة ليس فيه شيء من المبالغة بالنسبة للاخصائي الاجتماعي..فـ»الزطلة» اليوم ليست مجرد مادة مخدرة،بل هي رمز وعنوان.هي معبودة الجماهير،تنظم فيها الأشعار وتنشد باسمها الأغاني وتتضمنها الأهازيج في الملاعب ووسائل النقل وأعياد الميلاد وحفلات نهاية السنة الدراسية... ثقافة تمكنت من إنتاج قاموسها ومعجمها ومفرداتها وتمكنت من فرضه في المعيش اليومي لمن يستهلكها ولمن لا يستهلكها على حد السواء، فمن منا لم يستمع  لمفردات مثل الشيخة والدوخة والركشة والكمية وفسبا وبلاكة وزاكاتاكا والجونته.

الزطلة أفقدته دراسته وأدخلته السجن 4 مرات

مرة اولى فثانية فثالثة ورابعة، يسجن الشاب فتحي بسبب تعاطيه الزطلة، ولا يزال مصرا على استهلاكها. حين القي عليه القبض «مزطولا» في اول مناسبة، كان لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره و يزوال تعليمه بالسنة السادسة ثانوي. الحبس لمدّة سنة اجبره على نسيان امر الدراسة. الشارع كان ملجأه الوحيد، خاصة انه يتيم الاب والام. اما الادمان على القنب الهندي بات خبزه اليومي، حيث يضطر للتسول لجمع ثمن «الشيخة» كما يحلو له تسميتها. تحركاته حذرة ومحسوبة. يتفادى الاتجاه الى أي فضاء عام قد يجعله عرضة للتفتيش الامني . فقد صار وجهه مألوفا لدى العديد من عناصر الشرطة ما قد يعرّضه الى العودة الى السجن في كل يوم. حتى لقاؤنا معه كان في مقهى منزو باحد الانهج الضيقة.  فتحي المستقر في احد الاحياء الشعبية بتونس العاصمة.. فتحي يرفض الاقلاع عن الزطلة، مشترطا ابتعاده عن عالمها باتخاذ تدابير حاسمة وحازمة ضد مافيا التهريب التي تغرق الاسواق التونسية بكميات هائلة من القنب الهندي.


شريط جريء عن «الزطالة»

«ما تتفرجوش فينا» هو اول وثائقي تونسي يقترب من مستهلكي الزطلة.. يدق ابوابهم.. يقتحم خلواتهم.. يحاورهم.. يستمع اليهم. مخرج العمل سهيل بيوض يرى في شريطه محاولة متواضعة لفتح النقاش حول ملف الزطلة كمدخل لتحطيم امال واحلام مستهلكيها عبر القانون الزجري الذي يعاقب متعاطيها بالسجن بين سنة وخمس سنوات و خطية مالية تتراوح بين الف و3 الاف دينار. في الفيلم استعراض لشهادات العديد من الشباب المنغمسين في عالم القنب الهندي، مع ابراز هوياتهم ووجوههم  وتسليط للضوء على ارائهم ومواقفهم في اوضاعهم الاجتماعية والنفسية.

المركز الوحيد لمكافحة الإدمان مهدّد بالإغلاق

بعد اغلاق المركز الوطني لمكافحة تعاطي المخدرات بجبل الوسط بزغوان، اصبحت الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات الملجأ الوحيد للعائلات لعلاج ابنائها المدمنين. ولكن شح الموارد المالية للجمعية قد يتسبب في اغلاق هذا المركز العلاجي بين الفينة والاخرى. يقول رئيس الجمعية عبد المجيد الزحاف : «بعد توقف الدعم المالي القادم من الصندوق العالمي للايدز والملاريا والمقدر ب600 الف دينار سنويا، لم تعد جمعيتنا قادرة على استقبال المرضى والمدمنين. وحتى بعد اتصالنا بالعديد من الوزارات لتمكيننا من الدعم، الا اننا لا نزال  ننتظر التمويل».
يذكر ان طاقة استيعاب هذا المركز العلاجي قد تصل الى 70 سرير. وفي ظل غياب التمويلات اللازمة رغم نداءات الاستغاثة التي يطلقها المسؤولون والاطار العامل، نبقى مسألة فتح اجنحة للنساء المدمنات والتلاميذ المستهلكين للقنب الهندي مؤجلة الى اجل غير مسمّى.
كما اشار الكاتب العام للجمعية زياد ذويبي الى اقتصار الجمعية على الاحاطة النفسية والاجتماعية للمدمنين، بسبب غياب اختصاص طب التسمم  و العلاج من المخدرات في تونس. وفي هذا السياق ذكّر بمطالبة الجمعية لاكثر من مرة ببعث هذا الاختصاص دون ان يلقى اية اجابة من وزارة التعليم العالي.

محامون متهمون بالتمعش من قضايا الزطلة

اتهم المخرج والناشط الجمعياتي سهيل بيوض في معرض حديثه عن آفة الزطلة، عددا من بتمسكهم بقانون 52 الزجري من اجل التمعش والتكسب من الاف القضايا المرفوعة ضد المدمنين. حيث وجه رسالة مباشرة الى العديد من المحامين بتغيير نظرتهم للمدمنين من مجرد حرفاء للاسترزاق الى ظاهرة اجتماعية تستحق الدرس والتمحيص والمتابعة.

هكذا تحصنون ابناءكم من الادمان
من ابرز الاساليب الوقائية وأكثرها اعتمادا في العالم لحماية المراهقين من ادمان المخدرات تشدد الاخصائية النفسانية اميرة العروي على عدد من النقاط على غرار:
• تحسين تقديره للذات
• التحكم في ذاته القدرة على التصرف في الانفعالات
•  تحسين العلاقات والتواصل مع الاخر
•  اخذ القرار التحكم في الضغط النفسي يؤدي
•  التحكم في الذات والانفعالات
• الثقة في النفس حتى لا يصبح المراهق اسير قرارات الاخرين
• تعزيز الثقة في النفس حتى يستطيع المراهق ان يقول لا امام الاغراءات.

محمد الجلالي ويثرب مشيري